س: ما أصل الذكرى الأربعينية؟ وهل هناك دليل على مشروعية التأبين؟.
ج: أولاً: الأصل فيها أنَّها عادة فرعونية كانت لدى الفراعنة قبل الإسلام ثم انتشرت عنهم وسرت في غيرهم وهي بدعة منكرة لا أصل لها في الإسلام يردها ما ثبت من قول النبي، صلى الله عليه وسلم، ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)).
ثانياً: تأبين الميت ورثاؤه، على الطريقة الموجودة اليوم من الاجتماع لذلك والغلو في الثناء عليه لا يجوز لما رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن المراثي لما في ذكر أوصاف الميت من الفخر غالباً وتجديد اللوعة وتهييج الحزن وأما مجرد الثناء عليه عند ذكره أو مرور جنازته أو للتعريف به بذكر أعماله الجليلة ونحو ذلك مما يشبه رثاء بعض الصحابة لقتلى أحد وغيرهم فجائز لما ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً فقال، صلى الله عليه وسلم: (وجبت)، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً فقال: (وجبت) فقال عمر رضي الله عنه: ما (وجبت) قال هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض.
اللجنة الدائمة.
أريد أن أبين حكم تأبين الموتى ، أو ما يسمّى بإحياء ذكرى الموتى ، وكنت أظن أن المسألة واضحة وجلية عند أصحاب المنهج السلفي ، فكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وأن مثل هذا البيان لا يعدو أن يكون بمثابة حسبة عرضية لعامة الأمة ، ولكن تبين لي أن الأمر ليس كذلك ، فقد زلت أقدام بعض الأحبة من أصحاب المنهج السلفي فوقعوا في هذه البدعة المنكرة ، بتخصيصهم بعض الأيام لإحياء ذكرى أحد المجاهدين ، وكما قال أحد الأحبة : هذا يذكرنا بالاحتفال بأسبوع الشجرة ، أو المرور ، وما شابه ذلك من هذه المحدثات العصرية التي وردتنا غالبا من بالبلاد الغربية .
قال مقيده "محتسب" : في الحقيقة الاحتفال بالشجر والمرور أقل وطأة ممن يحتفل بذكرى أحد المجاهدين ؛ لأن الأول متعلق بعارض دنيوي محض ، قصد به توعية الشعوب بأهمية الشجرة في الحفاظ على البيئة ، وأهمية المرور في الحفاظ على النظام ، ولكن الاحتفال باستشهاد أحد المجاهدين يتعلق بالدين ، وشعيرة من أهم شعائر الإسلام "الجهاد في سبيل الله"، والأصل في متعلقات الدين والعبادات التوقف ، ثم إننا بهذا السلوك أشبهنا أنفسنا ببدعة الروافض ، الذين يحتفلون باستشهاد المجاهد العظيم الحسين بن عليّ ـ ـ يوم عاشوراء !! وكذلك أشبهنا دراويش الصوفية في احتفالاتهم بالموالد والمآتم السنوية لساداتهم وأوليائهم !! ولهذا وجب الاحتساب على هذا المنكر، وتذكير من غفل بخطأ.
قال مقيده "محتسب" : فالتأبين ويسمّى أيضا المراثي ، ويسمى في زماننا المعاصر "ذكرى" أو "التذكار" ، وهو عبارة عن إحياء لذكرى الميت ، بتعداد محاسنه ، ومآثره مما يبعث على تهييج الحزن والألم بفقده، أو تذكر أمجاده ومناقبه ، بزعم أن في ذلك تنشيطا للهمم.
بتوقيتين والعامة توقته:
ذكري الأربعين:
بعد أربعين يوما من وفاة الميت " ،
الذكرى السنوية " .
بعد سنة من وفاة الميت
وهذه العادة بدعة منكرة ، يجب الاحتساب على من يفعلها بتعريفه ، وتذكيره ، وتحذيره من محدثات الأمور التي حذر منها رسولنا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " . رواه الشيخان من حديث عائشة مرفوعا.
وكما هو مقرر أن من محدثات الأمور تقييد ما أطلقه الشرع بقيد ما أنزل الله به من سلطان ، كتقييده بمكان ، أو زمان ، أو عدد ، أو هيئة معينة ، وأو إدخال العادات في العبادات…الخ .
واعلم ـ وفقك الله للحق ـ أنه ما من بدعة إلا وهي ترتكز على شبهة من دليل شرعي (من كتاب ، أو سنة ، أو فعل صحابي) ، أو قول عالم اجتهد فأخطأ ، فيؤولها صاحب البدعة تأويلا مشوها على غير مراد الشارع ، وذلك لكي توافق هواه ، وما استقر في قلبه ، من محبة أو بغض بمتعلق البدعة ، ولم تشذ هذه البدعة التي أيدينا عن هذا الأصل.
ولذلك استدل من زينت له نفسه هذه البدعة بشبهات ظنها بينت، وهي شبهات شرعية ، وأخرى عقلية.
أولا ـ ما ثبت من رثاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لبعض أصحابه ، وأشهرها ما ثبت في الصحيحين وغيرهما : "أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يرثي لسعد بن خولة".
فقالوا : وما نفعله يسمّى "رثاء" ، وقد ثبتت مشروعيته في السنة!! .
قال مقيده "محتسب" : وهذا استدلال في غير محله ، فمعنى "يرثي" الوارد في الحديث هو بمعنى التوجع ، يقال : رثيته إذا مدحته بعد موته ، ورثيت له إذا تحزنت عليه كما قال الحافظ في "الفتح" 3/164 ، ومعنى الحديث كما قال الحافظ : "أن سعد بن خولة ـ رضي الله عنه ـ وهو من المهاجرين من مكة إلى المدينة ، وكانوا يكرهون الإقامة في الأرض التي هاجروا منها وتركوها مع حبهم فيها لله تعالى ، فتوجع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لسعد بن خولة لكونه مات بها".
وقال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" 11/79 في معنى "يرثي لسعد" : "قال العلماء هذا من كلام الراوي وليس هو من كلام النبي ، بل انتهى كلامه بقوله : (لكن البائس سعد بن خولة) ، فقال الراوي تفسيرا لمعنى هذا الكلام : أنه يرثيه النبي ويتوجع له ويرق عليه لكونه مات بمكة" . اهـ .
قال مقيده "محتسب" : وبلا ريب أن هذا المعنى يختلف تماما عن معنى الذكرى التأبينية التي يقيمها هؤلاء الأخوة، والذي يتضمن معنى إحياء ذكرى المستشهد على الألسنة بالتذكير بأمجاده ، وكرماته ، ومناقبه ، ومآثره ، وسيرة حياته ، وكتاباته …الخ . فأين هذا من ذاك ؟!!.
ثانيا ـ رثاء بعض الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لنبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
1 ـ وأشهرها وأصحها ما ثبت في البخاري وغيره عن أنس قال : لما حضر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جعل يتغشاه الكرب ، فقالت فاطمة : واكرب أبتاه !! فقال لها : "ليس على أبيك كرب بعد اليوم" ، فلما مات ـ صلى الله عليه وسلم ـ قالت : يا أبتاه أجاب ربا دعاه ، يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه ، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه ، فلما دفن قالت : يا أنس كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ التراب ؟